علمنا مما سبق أن الجهم بن صفوان أضل خلقا كثيرا من أتباعه الجهمية ، وقدم عقله على الأدلة القرآنية ، والأحاديث النبوية عندما أجاب السمنية بجهله إجابة خاطئة كاذبة ، وزعم أن الله بذاته في كل مكان ، وأنه لا صفة له حتى لا يشبه الإنسان ، ثم نظر هذا الجهم المفتون إلي القرآن ، فما تصور أنه يوافق مذهبه جعله دليلا وبرهان ، وما خالفه صرح برده ونفية من القرآن ، وظهرت بدعة أسستها للجهم وسوسة الشيطان .
وقد تبع الجهم على قوله وفكره رجل يقال له واصل بن عطاء وآخر يقال له عمرو بن عبيد وإليهما ينسب مذهب الاعتزال ، فالمُعْتَزِلة أتباع واصل بن عطاء الغزال وعمرو بن عبيد ، واصل بن عطاء الغزال ( 80ه - 131هـ) كان تلميذ الحسن البصري ، وكان مفوها بليغا ، على الرغم من كونه كان عاجزا عن النطق ببعض الحروف ، فكان ينطق الراء غينا ، مثلا كلمة : شراب بارد ، شغاب باغد ، ومن عجيب ما كان من واصل ، أنه كان يخلص كلامه وينقيه من حرف الراء ، لقدرته العجيبة على الكلام ، حتى قال أحد الشعراء يمدحه ، بإطالة الحديث واجتنابه حرف الراء ، على الرغم من كثرة ورودها في الكلام ، كان واصل يتجنبها كأنها ليست فيه فقال هذا الشاعر وهو على عقيدته الاعتزالية : عليم بإبدال الحروف وقامع : لكل خطيب يقلب الحق باطله ، وقال آخر :
ويجعل البر قمحا في تصرفه : وخالف الراء حتى احتال للشعرولم يُطِقْ مطرا والقَولُ يَعْجُلُه : فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر .