recent
أخبار ساخنة

احتجاج الأشعرية على إثبات توحيد الربوبية بدليل التمانع



 الأشاعرة يثبتون توحيد الربوبية بدليل التمانع وخلاصته أنه لو كان للعالم مدبران وربان فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء، وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر، يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن، فإذًا يتعين أن الإله هو الذي يوجد مراده وحده من غير ممانع ولا مدافع، وهو دليل عقلي محض من إنشائهم.

ويحتجون له بقوله تعالى: (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا) مع أن معنى الإله في الآية هو المعبود بحق دون شرك. وأقرب النصوص لدليل التمانع هو قول الله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91) .

قال ابن أبي العز: "وَالمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْل النَّظَرِ إِثْبَاتُهُ بِدَليل التَّمَانُعِ، وَهُوَ  أَنَّهُ لوْ كَانَ للعَالمِ صَانِعَانِ فَعِنْدَ اخْتِلافِهِمَا مِثْل أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيكَ جِسْمٍ وَآخَرُ تَسْكِينَهُ، أَوْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَهُ وَالآخَرُ إِمَاتَتَهُ: فَإِمَّا أَنْ يَحْصُل مُرَادُهُمَا، أَوْ مُرَادُ أَحَدِهِمَا، أَوْ لا يَحْصُلُ مُرَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالأَوَّلُ مُمْتَنَعٌ؛ لأَنَّهُ يَسْتَلزِمُ الجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَالثَّالثُ مُمْتَنَعٌ؛ لأَنَّهُ يَلزَمُ خُلُوُّ الجِسْمِ عَنِ الحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ مُمْتَنَعٌ، وَيَسْتَلزِمُ أَيْضًا عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالعَاجِزُ لا يَكُونُ إِلهًا، وَإِذَا حَصَل مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، كَانَ هَذَا هُوَ الإِلهَ القَادِرَ، وَالآخَرُ عَاجِزًا لا يَصْلُحُ للإِلهِيَّةِ".

ثم يقول: " وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْل النَّظَرِ يَزْعُمُونَ أَنَّ دَليل التَّمَانُعِ هُوَ مَعْنَى قَوْلهِ تَعَالى: (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا)؛ لاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ الذِي قَرَّرُوهُ هُوَ تَوْحِيدُ الإِلهِيَّةِ الذِي بَيَّنَهُ القُرْآنُ، وَدَعَتْ إِليْهِ الرُّسُلُ عَليْهِمُ السَّلامُ، وَليْسَ الأَمْرُ كَذَلكَ، بَل التَّوْحِيدُ الذِي دَعَتْ إِليْهِ الرُّسُلُ، وَنَزَلتْ بِهِ الكُتُبُ، هُوَ تَوْحِيدُ الإِلهِيَّةِ المُتَضَمِّنُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، فَإِنَّ المُشْرِكِينَ مِنَ العَرَبِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ خَالقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاحِدٌ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالى عَنْهُمْ بِقَوْلهِ: (وَلئِنْ سَأَلتَهُمْ مَنْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ليَقُولُنَّ اللهُ). (قُل لمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلمُونَ) (سَيَقُولُونَ للهِ قُل أَفَلا تَذَكَّرُونَ"

ونحن لو لنظرنا ودققنا في الآية التي يحتجون بها على دليل التمانع لوجدناها تتحدث عن توحيد العبادة لله قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا آَلهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آَلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ  أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلهَةً قُل هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلي بَل أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِليْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا سُبْحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22/26).


google-playkhamsatmostaqltradent