recent
أخبار ساخنة

ما معنى قول أهل السنة بأن الأسماء الحسنى توقيفية؟


اتفق علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم إلا من شذ من أهل البدع كالمعتزلة على أنه يجب الوقوف على ما جاء في الكتاب والسنة بذكر أسماء الله عز وجل نصا دون زيادة أو نقصان، وأن أسماء الله الحسنى توقيفية على النص لا مجال للعقل في استحداثها أو إنشائها أو اختراعها، كما أنهم اتفقوا على أن أسماء الله أزلية أبدية غير محدثة، وأن من قال باستحداث اسم لله عز وجل لم يسم نفسه به، أو اخترع اسما لم يرد عليه دليل قرآني بنصه، أو دليل نبوي صحيح ينص على ذكره فهو معتزليُّ ضال، يعبث في أسماء رب العزة والجلال؛ وذلك لأن العقل البشري مهما بلغ من الكمال لا يمكنه بمفرده أن يميز ما يستحقه الرب سبحانه من أسماء الجلال الدالة على صفات الكمال والجمال، ومن ثم فإن تسمية رب العزة والجلال بما لم يسم به نفسه قول على الله بلا علم، وهو أمر حرمه الله عز وجل على عباده كما قال سبحانه : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء:36 .

ومن ثم فإن دورنا اتجاه أسماء الله الحسنى الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء، وليس الاشتقاق والإنشاء، فالنبي صل الله عليه وسلم قال: من أحصاها دخل الجنة. ولم يقل: من أنشأها، أو اخترعها، أو اشتقها بشرط الكمال ليسمي الله بها، وكأنه يسمي طفله عند الولادة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

كما أن دعوة النبي صل الله عليه وسلم لإحصائها تدل على وجودها فيما أخبرنا الله به عن نفسه؛ مما ورد في كتابه وصح عن نبيه صل الله عليه وسلم، ولذلك أمر عباده أن يدعوه بها، ونهاهم عن الإلحاد فيها؛ إما بجحدها، أو إنكار معانيها، أو بتسميته بما لم يسم به نفسه، أو بتسمية غيره بها، وتوعد من خالف بسوء العذاب

وقد اشتهرت في ذلك مناظرة وقعت بين إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري (ت:324هـ) وشيخه أبي على الجبائي المعتزلي عندما دخل عليهما رجل يسأل: هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلا؟ فقال الجبائي: لا يجوز، لأن العقل مشتق من العقال، وهو المانع، والمنع في حق الله محال؛ فلا يصح إطلاق العاقل على الله. قال له الأشعري: فعلى قياسك لا يُسَمى الله سبحانه حكيما؛ لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام، وهي الحديدة المانعة التي توضع على وجه الدابة لتمنعها من الحركة؛ فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع؛ والمنع على الله محال؛ لزمك أن تمنع إطلاق اسم الحكيم على الله تعالى. فلم يجب الجبائي إلا أنه قال للأشعري: فلم منعت أنت أن يسمى الله عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما؟ قال الأشعري: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله عز وجل التوقيف والإذن الشرعي دون القياس اللغوي؛ فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته

واحتج أبو حامد الغزالي (ت505هـ) على أن الأسماء توقيفية بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صل الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه؛ ولا سمى به نفسه، وكذا كل كبير من الخلق، فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى([2]). والأقوال في ذلك كثيرة يعز إحصاؤها، وكلها تدل على أن عقيدة أهل السنة والجماعة، وكذلك أغلب المخالفين لهم من الخلف المتكلمين الأشعرية وأئمة الصوفية عقيدة مبنية على أن أسماء الله الحسنى توقيفية، لا زيادة فيها ولا نقصان، وأنه لا بد في كل اسم من دليل نصي صحيح، يُذكر فيه الاسم بنصه، فدورنا تجاه الأسماء الحسنى الجمع والإحصاء، ثم الحفظ والدعاء، وليس الاشتقاق والإنشاء.

كتاب سهل - الرضواني
google-playkhamsatmostaqltradent