recent
أخبار ساخنة

ما حقيقة النفس المطمئنة واللوامة والأمارة بالسوء؟


إذا نظرنا إلى القلب وما فيه من منطقة حديث النفس ومنطقة الكسب وما بينهما من العقل، وجدنا تفسيرا علميا مبنيا على كتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم وقسمة عقلية منطقية دقيقة في تنوع العباد، وتقليب قلوبهم وظهور قدرة الله وحكمته فيهم، فباعتبار النظر إلى الأركان في منطقة حديث النفس، وما يتم فيها من خواطر وابتلاءات فإن الأنفس تتنوع بالضرورة العقلية إلى ثلاثة أنواع: نفس مطمئنة، ونفس أمارة بالسوء، ونفس لوامة، وكذلك باعتبار النظر إلى الأركان في منطقة الكسب، وما يتم فيها من اختيارات وابتلاءات، فإن القلوب تتنوع بالضرورة العقلية إلى ثلاثة أنواع: قلب سليم، وقلب ميت قاس، وقلب مريض.

ولنبدأ بالتعرف على أنواع الأنفس التي ذكرها الله سبحانه وتعالي ووصف حالها مع أركان الخواطر في منطقة حديث النفس، والتعامل مع مقتضى أحكام العقل وسلطان الأعمال في منطقة الكسب. لقد استعاذ النبي صل الله عليه وسلم من النفس وشرورها، فالنفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى مرضاة الرب، ولا يصل العبد إلى مرضاة الرب إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها وأن يظفر بنفسه ويجعلها في طاعة ربه، فإن الناس على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار طوعا لها، تحت أوامرها. وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم.

والنفس تدعو بخواطرها إلى الطغيان، وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه، ونهي النفس عن الهوى، وكسب القلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة، وإلى هذا مرة، وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة والأمارة بالسوء واللوامة، وهي نفس واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها، فإذا اعتبرت بنفسها فهي واحدة، وإن اعتبرت مع كل صفة دون الأخرى فهي متعددة.

أولا النفس المطمئنة: إذا سكنت النفس إلى الله سبحانه وتعالي، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه فهي مطمئنة راضية مرضية. وحقيقة الطمأنينة السكون والاستقرار، فهي التي قد سكنت إلى ربها وسكنت إلى تنفيذ أمره وذكره وطاعته ، ولم تسكن إلى سواه، فقد اطمأنت بذكره ومحبته وعبوديته، واطمأنت إلى تصديق خبره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، واطمأنت إلى الرضا به ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صل الله عليه وسلم رسولا، واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى أن الله وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله، وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين فتوكلت عليه. قال الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي . الفجر:٢٧/٣٠.
ثانيا: النفس الأمارة بالسوء، فهي أمارة بالسوء، لأن الخواطر الملقاة من نازع الشر في منطقة حديث النفس تدعو صاحبها إلى أنوع المشتهيات التي لو اتبعها القلب وقع في الغي، وانقاد قلبه إلى الباطل وكل قبيح ومكروه، وهي دائمة الدعوة، لا تسأم من الأمر بتلبية الرغبة والحض على ملذات الشهوة الحيوانية في البدن، وقد أخبر سبحانه أنها أمارة بالسوء، ولم يقل آمرة لكثرة ذلك منها، وأنه عادتها ودأبها، ولذلك فإن أصحاب النفس الأمارة قوم لا يقومون إلا في أهواء نفوسهم، فلا يرضون إلا بتحقيق ما يشتهون ، ولا يغضبون إلا عندما يحرمون مما يشتهون، فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه من الشهوات زال غضبه، وحصل رضاه، والنفس الأمارة فيها داعي الظلم لغيرها بالعلو عليه والحسد له والتعدي عليه في حقه، وداعي الظلم لنفسها بتناول الشهوات القبيحة كالزنا وأكل الخبائث، فهي قد تظلم من لا يظلمها، وتؤْثر هذه الشهوات وإن لم تفعلها، فإذا رأت نظراءها قد ظلموا وتناولوا هذه الشهوات، صار داعي هذه الشهوات أو الظلم فيها أعظم بكثير، ولا تسلم النفس الأمارة إلا بطلب المغفرة وكثرة الاستغفار من الذنوب والاستعانة بعلام الغيوب على هدايتها. كما ورد في قوله: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ يوسف:٥٣.
ثالثا: النفس اللوامة والمراد بها النفس الواقعة بين الأمارة والمطمئنة، فلها وجهان، تترد بينهما في الاستجابة للنازعين، فتارة تستجيب لداعي الهوى والعصيان، ثم تلوم نفسها وتستجيب لنازع التقوى والإيمان، فلا تزال تتردد بين المعصية واللائمة والطاعة، تلوم نفسها على ترك المتابعة والإقدام على المخالفة، وتلوم نفسها أيضا على ما فات عنها في الأيام الماضية من الأعمال والطاعات والمراتعة في مراتع الشهوات، ثم ترى وجها لها يقرب من وضعية النفس المطمئنة وهو وجه الإيمان، فإذا نظرت بهذا الوجه إلى المطمئنة وتنورت بنورانيتها واصطبغت بصبغتها تلوم أيضا نفسها على التقصيرات الواقعة منها، والمحذورات الكائنة عليها، فهي لا تزال لائمة لها، قائمة على سوق لومها إلى أن تتحقق بنعمة الاطمئنان، وهى المصدقة بوقوع الحساب على ما بدر منها يوم القيامة، فلا تفتأ تلوم نفسها أبدا في التقصير والتقاعد عن الخيرات، وإن أحسنت لا مت نفسها على عدم حرصها على الزيادة في أعمال البر والقربات، فكيف بها إن أخطأت وفرطت وبدرت منها بادرة كانت فيها من الغافلات؟

google-playkhamsatmostaqltradent