recent
أخبار ساخنة

ما المقصود بتصوف وحدة الوجود الذي قرره ابن عربي؟


ظهر تصوف أصحاب وحدة الوجود، بعد تصوف الحلول والاتحاد وقد ذهب فريق من الصوفية في القرن السادس وما بعده يتزعمهم محي الدين بن عربي الأندلسي إلى أن الله عز وجل هو هذا الوجود بعينه وأنه لا موجود سواه. وأن هذه الكثرة التي نراها إنما هي مظاهر لله فقط، أو مرآة يرى نفسه فيها، أو أثواب يلبسها ويخلعها، فهو السماء بما فيها من شمس وقمر ونجوم وأفلاك، وهو هذا السحاب الذي نراه مسخر بين السماء والأرض بما فيه من ثلج وبرد وأمطار، ولا فرق بين الأضداد، ولا فرق بين العبد والرب ؛ فالعابد هو المعبود والذاكر هو المذكور.

ونظم ابن عربي أشعارا كثيرة عبر بها عن زندقته في جعل الخالق هو المخلوق والعابد هو المعبود فقال: فيحمدني وأحمده : ويعبدني وأعبده. ففي حال أقربه : وفي الأعيان أجحده. فيعرفني وأنكره : وأعرفه فأشهده. ويقول أيضا: فأنت عبد وأنت رب : لمن له فيه أنت عبد. وأنت رب وأنت عبد : لمن له في الخطاب عهد.

والله عز وجل عند ابن عربي هو الهواء والماء والتراب والنار التي منها تتركب سائر الموجودات، والأمر قسمة بينه وبين هذه العوالم التي هي تجليات له يظهر فيها، فكما أنها فقيرة ومحتاجة إليه، فكذلك هو مفتقر إليها من أجل تعينه وظهوره فيها، كما تفتقر الروح في ظهور آثارها للأبدان. فقال ابن عربي: سبحان من خلق الأشياء وهو عينها. وقال: يا خالق الأشياء في نفسه: أنت لما تخلقه جامع. تخلق مالا ينتهي كونه فيك : فأنت الضيق الواسع ( ). وقال: فإنا أعبدٌ حقا : وإن الله مولانا. وإنا عينه فاعلم : إذا ما قلت إنسانا. فلا تحجب بإنسان: فقد أعطاك برهانا. فكن حقا وكن خلقا : تكن بالله رحمانا ( )

وهذه العبارات التي نطق بها ابن عربي في وحدة الوجود مهما اختلفت وتنوعت فإن مضمونها شيء واحد، وهو أن يكون الله عز وجل هو جميع الأشياء بما فيها من الإنس والجن والشجر والحيوان وكل شيء، ولذا يرى ابن عربي أن الأديان كلها حق، وأن المجوس عبدة النار والمشركين عابدي والأوثان وغيرهم ليسوا كفار وضلالا، بل مذاهبهم هي عين الهدى والإيمان، لأنهم حين عبدوا النار والحجارة والصلبان ما عبدوا إلا الله عز وجل.

وحكم ابن عربي أيضا بإيمان فرعون وأنه كان يشاهد عين الحقيقة حين قال أنا ربكم الأعلى، ولم يكن كاذبا في دعواه أنه هو الله، بل كان في أعلى مقامات التوحيد، ولذا كان إغراقه في البحر تطهيرا له من توهم الغيرة حين هم أن يسلم، وخالف في ذلك صريح القرآن الذي نطق بموته على الكفر، وأنه لم ينفعه إيمانه حين أدركه الغرق، وأن الله إنما نجاه ببدنه ليكون عبرة ماثلة للأجيال من بعده، وزعم أيضا أن موسى  لم يلم قومه على عبادة العجل ولم ينكرها عليهم.

وقد أكد ابن عربي في فلسفته لمعاني الجزاء والطاعة والمعصية بأن هذه الأمور لا مدلول لها في مذهبه بالمعنى الذي نفهمه نحن منها، فإنه لا نعيم ولا عذاب بالمعنى المفهوم من الشرائع، بل إن مآل الخلق جميعا إلى النعيم حتى من كان في عذاب فهو في نعيم بهذا العذاب الذي سمي عذابا من عذوبته وحلاوة طعمه، قال ابن عربي: وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم : على لذة فيها نعيم مباين. نعيم جنان الخلد فالأمر واحد : وبينهما عند التجلي تباين. يسمي عذابا من عذوبة طعمه : وذاك كالقشر والقشر صائن ( ).

تلك حقيقة التصوف الفلسفي التي حملت من أمور الزندقة ما شوهت به صورة الإسلام، وما من مكان إلا وستجد من شيوخ الطرق الصوفية من يدافع عن ابن عربي ويتبنى آراءه الفلسفية، بل يعتبره قطب الأولياء وخاتمهم، وأن البشرية لم تنجب عارفا مثله.

google-playkhamsatmostaqltradent