recent
أخبار ساخنة

ما هي العتبات المطلقة للحواس الخمس؟


لقد أجريت التجارب والدراسات الحديثة لتقدير الحدود التي تستقبلها حواس الإنسان، وتسمى في علم النفس بالعتبات المطلقة للحواس الخمس، فوجدوا أن البصر يدرك به الإنسان صورة شمعة مضاءة، ترى على بعد ثلاثين ميلا في ليل مظلم صاف.



ووجدوا أن السمع يدرك به الإنسان صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماما على بعد عشرين قدما، وأن التذوق يدرك به الإنسان ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء. وكذلك الشم يدرك به الإنسان نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها ستة أمتار مربعة . وحاسة اللمس يدرك بها جناح ذبابة، يسقط على الصدغ من مسافة سنتيمتر واحد تقريبا.



وإذا كان الجهاز الإدراكي في الإنسان قاصرا بتلك الصورة في الدنيا، فمن الصعب أن يرى ما يحدث في القبر من عذاب أو نعيم، أو يرى الملائكة، أو الجن، أو عالم الغيب، أو يرى الله سبحانه وتعالى من باب أولى؛ ومعلوم أن عدم رؤيته لهذه الحقائق لا يعنى عدم وجودها، فالجن مثلا جهازه الإدراكي يختلف عن الإنسان من حيث القوة، كما قال تعالى في وصفه: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ الأعراف:٢٧.



ومن ثم فإننا نؤمن بعالم الغيب ولا نسأل عن كيفية الحقائق التي فيه؛ فلا يجوز السؤال عن الذات الإلهية، أو كيفية صفاتها؛ لأن السنن التي أوجدها الله في عالمنا المحسوس لا تسمح بذلك؛ اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة في بعض معجزات الأنبياء؛ فيرون الملائكة أو يرون شيئا من الجنة أو النار، أو بعض أمور الغيب مما يحدث في القبر، أو في السماوات السبع، أو ما يعجز الإنسان العادي عن إدراكه، كما حدث لنبينا محمد صل الله عليه وسلم.



أما نظام الإدراك الذي يكون عليه الإنسان في الآخرة؛ فهو مختلف تماما، إذ أن مدركات الإنسان في الآخرة تختلف عن مدركاته في الدنيا، فإن الإنسان يوم القيامة يكون على صورة آدم عليه السلام طوله ستون ذراعا؛ فمداركه وحواسه تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة وما يحدث فيها؛ فإذا أخبرنا رسول الله صل الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، علمنا أن إدراك العين المبصرة في الدنيا، وقدرتها على الرؤية؛ تختلف عن إدراكها في الآخرة.



روى البخاري عن جرير بْن عبْد الله رضي الله عنه أنه قال: (كُنّا عنْد النّبيّ صل الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليْلةً، يعْني البدْر، فقال: إنّكُمْ ستروْن ربّكُمْ كما تروْن هذا القمر، لا تُضامُّون في رُؤْيته، فإنْ اسْتطعْتُمْ أنْ لا تُغْلبُوا على صلاةٍ قبْل طلوع الشّمْس وقبْل غُرُوبها فافْعلوا؛ ثمّ قرأ: وسبّحْ بحمْد ربّك قبْل طُلوع الشّمْس وقبْل الغُرُوب) ([1]). من أجل ذلك وجب الإيمان برؤية الله في الآخرة لموافقته للعقل الصريح والنقل الصحيح، وكذلك الحال في بقية الأسماء والصفات التي أخبرنا الوحي عنها، نؤمن بها ونثبتها لله دون أن نبحث عن كيفيتها.

كتاب سهل -الرضواني
google-playkhamsatmostaqltradent