recent
أخبار ساخنة

هل يجوز اشتقاق أسماء الله من الصفات والأفعال؟



لا يجوز شرعا اشتقاق أسماء لله عز وجل من الصفات والأفعال، ويجوز لغة القول بأن أسماء الله الحسنى التوقيفية التي سمى الله بها نفسه في كتابه وفي سنة نبيه صل الله عليه وسلم تلاقي مصادرها اللغوية، أو مشتقة من جهة اللغة والدلالة الصرفية، فلا بد من التفريق في مسألة الاشتقاق بين أمرين اثنين هما سبب الخطأ الذي وقع فيه كثير ممن تكلم في اشتقاق الأسماء الحسنى:

الأمر الأول: عدم جواز الاشتقاق من الناحية الشرعية، لأن تسمية الله ليست مسألة اجتهادية، أو تسمية إنشائية يخترع فيها الإنسان لربه ما يراه من الأسماء، أو ما يحدده بعقله وهواه من الكمال اللائق بالله، بل يحرم على المسلم من جهة التكليف والحكم الشرعي أن يشتق من صفات الذات والأفعال أسماء لرب العزة والجلال، وإن صح معناها أو رأى فيها الكمال، فقد وصف الله عز وجل نفسه بكثير من صفات الأفعال كالإرادة والكلام والاستواء، والخسف والحشر والإفتاء، والنزول والإماتة والطي للسماء، وأنه يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وغير ذلك من الصفات الفعلية، لكن لا يجوز لنا ويحرم علينا أن نشتق لله من هذه الصفات أسماء، فيحرم أن نسميه باسم المريد المتكلم المستوى الخاسف الحاشر المفتي النازل المميت الطاوي المؤتي النازع المعز المذل.

ومن الخطأ أن نسمي الله عز وجل بهذه الأسماء أو بعضها، ومن فعل ذلك فقد سمى ربه بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة نبيه صل الله عليه وسلم، وهو نوع من الإلحاد في أسماء الله الحسنى، لأنها باتفاق السلف الصالح توقيفية على النص؛ لا بد فيها من ورود الاسم بصيغته في النصوص القرآنية، أو ما صح عن رسول الله صل الله عليه وسلم في السنة النبوية، والذين أجازوا الاشتقاق العقلي وجعلوا المرجعية في تسمية الله إلى أنفسهم أو اختراعهم أو اشتقاقهم ما يليق به من الأسماء أخطئوا خطأ كبيرا في حق ربهم؛ لأنهم جعلوه بمنزلة المولود الذي يتخيرون له اسما جديدا جميلا يُعرف به عند مناداتهم له.

ومعلوم أن أسماء الله أزلية أبدية بأزلية الذات الإلهية وأبديتها، وهو سبحانه الذي يسمي نفسه بما يشاء من الأسماء، ولم يمنح هذا الحق لغيره لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في ذاته المقدسة، أو أسمائه الحسنى، أو صفاته العليا أو أفعال كماله، ولا يقاس على خلقه بقياس تمثيلي أو شمولي.

ومن المعلوم أن الإنسان في بدايته، وعند أول نشأته يكون ناقصا في أوصافه وأفعاله؛ ثم يضاف له الكمال بعد اكتسابه، فيقال عالم بعد أن يتعلم وكاتب بعد أن يكتب، وصادق بعد أن يصدق، وناجح بعد أن ينجح، ويكتسب مالا فيصبح غنيا، ويحمده الناس فيصبح محمودا، فيزول عنه النقص الذاتي بإضافة الكمال الكسبي؛ ومن هنا يظهر بين الناس حسنهم، وحسن أسمائهم، وجمال أوصافهم، وكمال أفعالهم، أما رب العزة والجلال فأوصاف جماله وأفعال كماله مشتقة أصلا من جلاله وجلال أسمائه كما ورد في المسند عند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (قَال اللهُ عز وجل: أنَا الرَّحْمَنُ خَلقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لهَا مِنِ اسْمِي اسْماً، فَمَنْ وصَلهَا وصَلتُهُ، ومَنْ قَطَعَهَا بَتَتّهُ) ([1]).

وهذا الحديث دليل واضح على أن أفعال الله عز وجل مشتقة من أسمائه وأوصافه بعكس أسماء المخلوقين وأوصافهم التي تشتق من أفعالهم؛ فدورنا تجاه أسماء الله الحسنى الإحصاء، ثم الحفظ والدعاء، وليس الاشتقاق والإنشاء، لأن الاشتقاق هو استحداث اسم لله عز وجل ليس أزليا ولا أبديا كما فعل الوليد بن مسلم وغيره في بعض الأسماء المشهورة.

الأمر الثاني: أن الأسماء الحسنى التي سمى الله بها نفسه في النصوص القرآنية والنبوية تلاقي مصادرها اللغوية، فهي مشتقة من الصفات والأفعال من جهة اللغة والدلالة الصرفية، فاسم الفاعل مشتق من الفعل، وصيغ المبالغة مشتقة من اسم الفاعل، ومثال ذلك اسم الله الخلاق فهو اسم توقيفي ثابت بنصه في القرآن وهو مشتق من جهة اللغة من اسم الفاعل الخالق، واسم الخالق مشتق لغة من الفعل خلق، وكذلك الرزاق والرازق ورزق، والشكور والشاكر وشكر.

وقد علمنا أن الأسماء الحسنى التوقيفية تدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على الصفات والأفعال، فإذا قيل على لسان أحد من أهل السنة والجماعة أن الأسماء التوقيفية مشتقة من الصفات والأفعال فلا يعني إلا أنها مشتقة من الجانب اللغوي فقط، لكن لا يجوز لنا أن نستحدث لله من صفاته أو نخترع له من أفعاله أسماء لم ترد في الكتاب والسنة، لأن ذلك حق لله توقيفي على النص القرآني النبوي، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص، وأن التسمية حق لله له وحده، يسمي نفسه بما يشاء من الأسماء، ويمتنع من جهة النقل والعقل أن يكون مرجع التسمية لغير الله ورسوله صل الله عليه وسلم.

والباعث على قول أهل السنة والجماعة بأن الأسماء الحسنى التوقيفية تلاقي مصادرها اللغوية وهي مشتقة لغة من الصفات والأفعال هو إثبات دلالتها على صفات الكمال، وأنها ليست أسماء بلا مسمى أو جامدة لا معنى لها، وذلك ردا على المعتزلة الذين قالوا بأن أسماء الله بلا أوصاف، وهي أسماء على غير مسمى، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فيصح القول بأن الأسماء الحسنى التوقيفية مشتقة من الصفات والأفعال من جهة اللغة واشتقاق الألفاظ في دلالتها الصرفية، وأنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى. قال ابن القيم: (إنا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله) ([2]).

ولولا أن الأسماء الحسنى تتنوع في اشتقاقاتها اللغوية ومبانيها الصرفية لما ظهرت معانيها المتنوعة والمتباينة، ومن ثم فإن أسماء الله عز وجل عند السلف أسماء على مسمى، ولذلك أمرنا الله أن ندعوه بها فقال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:١٨٠.

كتاب سهل - الرضواني
google-playkhamsatmostaqltradent