recent
أخبار ساخنة

ما الفرق بين اعتقاد الأشعري ومذهب الأشعرية؟


ظهر المذهب الأشعري بعد عصر المعتزلة متبنيا للأصول العقلية الاعتزالية في ثوب جديد، واستمر من وقتها حتى الآن، وبعد استقراء ما تركه أبو الحسن الأشعري من تراث، ومقارنته بما ورد في أقول العلماء الذين انتسبوا إلى المذهب الأشعري، تبين أن الفرق واسع بين عقيدة الأشعري والمنتسبين إليه من المتكلمين الأشعرية الذين يزعمون أنهم هم أهل السنة والجماعة، بل بينهما فرق كبير، فقد نصر أبو الحسن الأشعري ما كان عليه علماء السلف ومنع التأويل بغير دليل، ودافع عن مذهبهم وحارب البدعة بالنصوص النقلية وآرائه العقلية، وذلك بخلاف ما عليه علماء الأشعرية حتى اليوم.

ومعلوم أن علماء الأشعرية أخذوا طريقة المعتزلة التي وضعوا بها الأصول الخمسة، والمبنية على تقديم العقل على النقل، ثم نظروا بها إلى الكتاب والسنة، فما وافق أصولهم أخذوه وما خالفها أنكروه بالتأويل ولو كان باطلا، فأظهروا لنا منهجا مسخا مشوها مخنثا مذبذبين فيه بين الحق والباطل، وهو في حقيقته أشد تعقيدا من مذهب المعتزلة؛ لأن رؤيتهم العقلية لا تثبت لله إلا خمس صفات فقط، يسمونها الصفات السلبية، ولم يثبتوا أيضا إلا سبع صفات معنوية، وما عدا ذلك مما ورد من النصوص القرآنية والنبوية فهي عندهم نصوص موهمة للتشبيه والجسمية وإثباتها لله كما أثبتها لنفسه ضلال مبين.

وقد كان الإمام أبو الحسن الأشعري يفند مذهب المعتزلة ليثبت الصفات التي ورد بها القرآن والسنة، فقد كان منهجه منهجا قرآنيا نبويا يقدم فيه النقل على العقل، ويبذل ما استطاع من الجهد ليثبت ما أرده الله ورسوله صل الله عليه وسلم، فترك لنا اجتهادات رائعة في إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله صل الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وهذا كتابه الإبانة عن أصول الديانة، وهو من أواخر ما كتبه في بيان عقيدته، ولا يجرؤ أحد من الأشعرية أو غيرهم أن يشكك في نسبته إليه، لتواتر تلك النسبة عند سائر المترجمين لشخصيته، وقد جاء فيه بلا لبس أو غموض التصريح بأن عقيدته التي يدين لله بها هي بذاتها عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد أثبت فيها علو الله على خلقه، واستوائه بذاته على عرشه، وأنه تعالى في السماء، وأثبت جميع ما ورد في صفات الذات والأفعال على عكس طريقة المتكلمين الأشعرية المنتهجين لطريقة الجهمية والمعطلة.

قال في كتابه الإبانة: (فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة، فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صل الله عليه وسلم، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم) ([1]).

ومن أبرز أئمة هذا المذهب الأشعري السقيم الذي يخالف ما كان عليه اعتقاد أبي الحسن الأشعري القاضي أبو بكر الباقلاني (ت:402هـ) وهو من كبار علماء الكلام، وأبو إسحاق الإسفراييني (ت:418هـ)، وأبو القاسم القشيري الصوفي (ت:465هـ)، وأبو إسحاق الشيرازي الفيروز أبادي (ت:476هـ)، وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت:478هـ)، وأبو حامد الغزالي الصوفي (ت:505هـ). ومن أشدهم وأخطرهم قبل توبته وعودته لمذهب السلف فخر الدين الرازي الطبرستاني (ت:606هـ)، لأن اعتقاد الرازي هو المعبر عن المذهب الأشعري في مرحلته الأخيرة، وتلك المرحلة هي السائدة الآن في البلاد الإسلامية والمقررة على طلاب المعاهد والجامعات الأزهرية.

والقصد أن منهج أبي الحسن الأشعري منهج سلفي قائم على تصديق كل خبر ورد في الكتاب والسنة على وجه اليقين، وتنفيذه الأمر على وجه الكمال، فقد سعى بكل حجة نصية أو عقلية إلى إثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه، وما أثبته رسوله صل الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فحقيقة مذهب أبي الحسن الأشعري امتداد للمنهج السلفي.

كتاب سهل - الرضواني
google-playkhamsatmostaqltradent