recent
أخبار ساخنة

ما هي مبادئ الديانة الكونفوشيوسية التي يعتنقها الصينيون؟


الكونفوشيوسية ديانة يعتنقها أهل الصين وهي ترجع إلى الفيلسوف كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعيا إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفا إليها جانبا من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم، وهي تقوم على عبادة إله السماء أو الإله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.

ويعتبر كونفوشيوس المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة الصينية، ولد سنة 551 قبل الميلاد في مدينة تسو، وهي إحدى مدن مقاطعة لو، وكونفوشيوس مكونة من كلمتين الأولى كونف أو كونج، وهو اسم القبيلة التي ينتمي إليها، وفوشس معناه الرئيس أو الفيلسوف، فهو بذلك رئيس كونج أو فيلسوفها، وينتسب إلى أسرة عريقة، فجدّه كان واليا على تلك الولاية، تلقى علومه الفلسفية على يدي أستاذه الفيلسوف لوتس، حيث كان يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعيا إلى مقابلة السيئة بمثلها، وذلك إحقاقا للعدل.

وقد انقسمت الكونفوشيوسية إلى اتجاهين، مذهب متشدد حرفي ويمثله منسيوس إذ يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس إذ أنه لم يتلق علومه مباشرة عنه، بل إنه أخذها عن حفيدة وهو المسمى تسيزي الذي قام بتأليف كتاب يسمى بالانسجام المركزي. أما الاتجاه الثاني فهو المذهب التحليلي، ويمثله هزن تسي ويانج تسي إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشيوسي.

ومن أبرز الشخصيات تشو هزي ولد سنة 1200م حيث قام بنشر الكتب الأربعة التي كانت تدرس في المدارس الأولية والابتدائية في الصين، وفي سنة 422م أقيم معبد لكونفوشيوس على قبره، ثم أقيم معبد آخر في العاصمة سنة 505م وأصبحت كتبه تدرس في المدارس على أنها كتب مقدسة، وفي سنة 630م أمر أحد الأباطرة ببناء معابد مزودة بتماثيل لكونفوشيوس في جميع أنحاء الإمبراطورية، كما أمر بإنشاء كليات لتعليم آراء كونفوشيوس الذي أصبح رمزا للوحدتين السياسية والدينية.

وقد بدأ نجم الكونفوشيوسية بالأفول سنة 1905م حيث أُلغي الامتحان الديني الذي كان يعتبر ضروريا للتعيين في الوظائف، وبعد الثورة الشعبية تحولت الصين إلى النظام الجمهوري مما أدى إلى اختفاء الكونفوشيوسية من الحياة الدينية والسياسية، لكنها بقيت ماثلة في الأخلاق والتقاليد الصينية، وفي سنة 1928م صدر قرار بتحريم تقديم القرابين لكونفوشيوس، ومنع إقامة الطقوس الدينية له.

وعندما استولى اليابانيون على منشوريا عادت الصين إلى استنهاض الهمم بالعودة إلى الكونفوشيوسية وعاد الناس عام 1934م إلى تقديم القرابين مرة ثانية، كما أعيد تدريس الكونفوشيوسية في كل مكان لاعتقادهم بأن نكبتهم ترجع إلى إهمالهم تعاليم المعلم الأكبر، وسادت حركة إحياء جديدة بزعامة تشانج كاي شيك، وقد استمرت هذه الحركة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1949م سيطرت الشيوعية على الصين، ولكن شيئا فشيئا بدأت الخلافات بين الصين والاتحاد السوفيتي بالظهور مما أوجد تباينا بين كل منهما، وبعد موت الزعيم الصيني الشيوعي الشهير ماو تسي تونج بدأ التراجع عن الشيوعية في الصين، وبدأت رياح الغرب تهب عليها.

والمعتقدات الأساسية للكونفوشيوسية تتمثل لديهم في الإله أو إله السماء، والملائكة، وأرواح الأجداد، حيث يعتقدون بالإله الأعظم أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات، وكذلك للأرض إله يعبده عامة الصينيين، والشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال، وغيرها لكل منها إله، وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء.

وكذلك يقدسون الملائكة ويقدمون إليها القرابين، ويقدس الصينيون أيضا أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل.

ولم يكن كونفوشيوس نبيّا، ولم يدّع هو ذلك، بل يعتقدون أنه من الذين وهبتهم السماء وفوضتهم ليقوموا بإرشاد الناس وهدايتهم، فقد كان مداوما على إقامة الشعائر والطقوس الدينية، وكان كونفوشيوس مغرما بالسعي لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها، وهي مدينة مثالية لكنها تختلف عن مدينة أرسطو الفاضلة، إذ إنّ مدينة كونفوشيوس مثالية في حدود واقع ممكن التحقيق والتطبيق، بينما مدينة أرسطو خيالية بعيدة عن مستوى التطبيق البشري القاصر، وكلا الفيلسوفين متعاصران.

ولا يعتقد الصينيون في وجود الجنة والنار، ولا يعتقدون بالبعث أصلا، إذ إنّ همّهم منصبّ على إصلاح الحياة الدنيا، ولا يسألون عن مصير الأرواح بعد خروجها من الأجساد، وقد سأل تلميذٌ أستاذه كونفوشيوس عن الموت، فقال: إننا لم ندرس الحياة بعد، فكيف نستطيع أن ندرس الموت. والجزاء والثواب عندهم إنما يكونان في الدنيا، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر، ويعتقدون في القضاء والقدر، فإن تكاثرت الآثام والذنوب كان عقاب السماء لهم بالزلازل والبراكين، ويعتقدون أن حاكمهم هو ابن للسماء، وأنه إذا ما قسا وظلم وجانب العدل، فإن السماء تسلط عليه من رعيته من يخلعه ليحلّ محلّه شخص آخر عادل.

وتنتشر الكونفوشيوسية في الصين، وهي ماثلة في النظم الاجتماعية في فرموزا أو الصين الوطنية، وانتشرت كذلك في كوريا، وفي اليابان حيث درست في الجامعات اليابانية، وهي من الأسس الرئيسية التي تشكل الأخلاق في معظم دول شرق آسيا وجنوبها الشرقي في العصر الحديث.

google-playkhamsatmostaqltradent